أمة “اقرأ“
كل
منا له إرادة و رغبة في هذه الحياة في اكتشاف العالم و التعلم المستمر، لكن ليس الكل له هذه الميزة و الخصلة الرائعة،
فالبعض من الناس يغتصبون وقتهم و يهدرونه في اللامفيد، يتبع شهواته و يتركها تقوده
نحو التافهات و لا يتبع ما قد يفيده في
حياته و مماته.
فنحن، كأمة
إسلامية، أول كلمة نزلت على النبي ﷺ
كانت “ اقرأ“، أول كلمة نزل بها الوحي من السماء، الكلمة التي أسست عليها أعظم
حضارة الأرض. و هو أول فرض لنا، ألا و هو السعي وراء العلم و طلب العلم. فما
أجمل أن يكون الإنسان تحت مسمى “طالب
علم“، فهو يشعر حينها بقيمة و مكانة عالية تميزه عن غيره لأنه هو تميز بفكره، ثقافته
و علمه عن غيره، لقوله تعالى: {قل
هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون}.
إن أبشع و أقبح صفة في الإنسان هي الجهل، و
الجاهل عدو نفسه. فإن أدى بك علمك أن ترجو رحمة الله و تقدم آخرتك على دنياك، فهو
علم نافع بإذن الله. أما إذا ساق بك إلى معصية فأنت حينها جاهل. قال الله سبحانه و
تعالى : {إنما
يتذكر أولوا الألباب}، أولوا الألباب أي أصحاب العقل، فهم الذين
يتذكرون، فالدين هو العقل و هو النعمة التي فضلنا بها الله عز و جل عن باقي
المخلوقات للتفكر و التدبر.
فنحن العرب، ألف سنة إلى الوراء، كنا السباقون
في كل ما يتعلق بالقراءة و الكتابة. كمثال المعز لدين الله ،رابع
الخلفاء الفاطميين في افريقية (تونس حاليا) و أول الخلفاء الفاطميين في مصر، قال: “نريد أن نعمل قلما يكتب بلا استمداد من دواة يكون مداده من داخله،
فمتى شاء الإنسان كتب به فأمده و كتب بذلك ما شاء و متى شاء تركه فارتفع المداد و
كان القلم ناشفا منه... “. فبعد أيام قليلة، جاء الصانع بالقلم الذي وصف له: “...فإذا
أخذه الكاتب و كتب، كتب أحسن كتاب ما شاء أن يكتبه به، تم إذا رفعه عن الكتاب امسك
المداد“. فهو كان أول من وضع القلم الخازن للحبر و كان شغوفا بالمعرفة نظرا لكونه
حريصا على تتبع ما يؤلف و ينشر و يأمر بنسخ المؤلفات العربية و ترجمة المؤلفات
باللغات الأخرى لحفظها في مكتبته، فهذا ما يفعله الأجانب في يومنا هذا. هذا و إن دل
على شيء، فإنما يدل على أن العرب كان لهم اهتمام و شغف بالمعرفة، فقد ذهب هذا
الاهتمام و تبخر معه الاختراع.
الإحصائيات تقول، حسب اليونسكو، أن ثقافة
الأوروبي الواحد تساوي ثقافة 2300 عربي. و في العالم العربي، ما زال مصطلح الأمية
شائعا، في حين أن اليابان اختفت فيه منذ القرن 19م. بالإضافة إلى أنه قد جاء في تقرير التنمية التفافية من طرف مؤسسة الفكر
العربي أن معدل قراءة الأوروبي يبلغ 100
ساعة سنويا في حين أن العربي لا يتجاوز 6 دقائق. فكل هذه الإحصائيات الحرجة لا يجب
أن تكون خيبة أمل و مصدر لتأسفنا بل تحفيز على تحسين علاقتنا بالقراءة. و هو أمر
يقع على عاتق الآباء و الأمهات و جزء لا يتجزأ من التربية و هو بغرس حب الكتاب في
قلب أبناءهم قبل الالتحاق إلى المدرسة، فقد بينت الدراسات أن القراءة و المطالعة
المبكرة، أي في السبع السنوات الأولى، تجعل الطفل لديه القدرة على الفهم، التفكير
المنطقي و كذلك القدرة على التركيز و التحليل. كل هذا من أجل إعادة أمة “اقرأ“
للقراءة.
إن أول قانون من قوانين النهضة الذي حث عليه
القرآن الكريم هو “اقرأ“، إذا كان هناك مجتمع و إن كان غير مسلم طبق هذا القانون
سينهض، و إذا كان هناك مجتمع و إن كان غير مسلم لم يطبقه سيفشل، لقوله تعالى : {اقرأ
و ربك الأكرم}، أي اقرأ و اسع لتحصيل العلم و ربك سيكرمك
لا محالة.
خلاصة القول، إن أردت التغيير، ابدأ من نفسك
و كن مؤمنا أن حب القراءة و القلم هو مفتاح المعرفة، التفكر و التدبر بالعقل الذي
بفضله يتحقق التغيير و يعرف به الله و يحقق الخشية، لقوله عز و جل: {إنما
يخشى الله عباده العلماء}.
فنحن صنعنا للأرض حضارة و نحن أمة “اقرأ“
التي أصبحت لا تقرأ، فهل لنهضتنا من سبيل؟
تعليقات
إرسال تعليق